فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجواب: نعم لقد سمح القرآن بضرب المرأة ولكن متى يكون الضرب؟ ولمن يكون؟
إن هذا الأمر علاج، والعلاج إنما يحتاج إليه عند الضرورة، فالمرأة إذا أساءت عشرة زوجها، وركبت رأسها، وسارت وراء الشيطان وبقيادته، لا تكف ولا ترعوي عن غيّها وضلالها، فماذا يصنع الرجل في مثل هذه الحالة؟ أيهجرها، أم يطلقها، أم يتركها تصنع ما تشاء؟
لقد أرشد القرآن الكريم إلى الدواء، أرشد إلى اتخاذ الطرق الحكيمة في معالجة هذا النشوز والعصيان، فأمر بالصبر والأناة، ثم بالوعظ والإرشاد، ثمّ بالهجر في المضاجع، فإذا لم تنفع كل هذه الوسائل فلابد أن نستعمل آخر الأدوية، وكما يقولون في الأمثال: (آخر الدواي الكيّ).
فالضرب بسواك وما أشبهه أقل ضررًا من إيقاع الطلاق عليها، لأن الطلاق هدم لكيان الأسرة، وتمزيق لشملها، وإذا قيس الضرر الأخف بالضرر الأعظم، كان ارتكاب الأخف حسنًا وجميلًا، وكما قيل: (وعند ذكر العمى يستحسن العور).
فالضرب ليس إهانة للمرأة- كما يظنون- وإنما هو طريق من طرق العلاج، ينفع في بعض الحالات مع بعض النفوس الشاذة المتمردة، التي لا تفهم الحسنى، ولا ينفع معها الجميل.
العبد يقرع بالعصا ** والحر تكفيه الإشاره

وإن من النساء، بل من الرجال من لا يقيمه إلا التأديب، ومن أجل ذلك وضعت العقوبات وفتحت السجون.
يقول السيد رشيد رضا في تفسيره [المنار]: وأما الضرب فاشترطوا فيه أن يكون غير مبرح، والتبريح الإيذاء الشديد، وقد روى عن ابن عباس تفسيره بالضرب بالسواك ونحوه أي كالضرب باليد، أو بقصبة صغيرة ونحوها.
ثم قال: يستكبر بعض مقلدة الافرنج في آدابهم منا مشروعية ضرب المرأة الناشز، ولا يستكبرون أن تنشز وتترفع عليه، فتجعله وهو رئيس البيت مرءوسًا بل محتقرًا، وتصر على نشوزها حتى لا تلين لوعظه ونصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره، ولا أدري بم يعالجون هؤلاء النواشز؟ وبم يشيرون على أزواجهن أن يعاملوهن به؟
إن مشروعية ضرب النساء ليست بالأمر المستنكر في العقل أو الفطرة فيحتاج إلى التأويل، فهو أمر يحتاج إليه في حال (فساد البيئة) وغلبة الأخلاق الفاسدة، وإنما يباح إذا رأى الرجل أن رجوع المرأة عن نشوزها يتوقف عليه، وإذا صلحت البيئة، وصار النساء يعقلن النصيحة، ويستجبن للوعظ، أو يزدجرن بالهجر فيجب الاستغناء عن الضرب، فلكل حال حكم يناسبها في الشرع، ونحن مأمورون على كل حال بالرفق بالنساء.
أقول: إن أمر الضرب في شريعة الله ليس إلا طريقًا من طرق الإصلاح، وقد روي عن عطاء أنه قال: لا يضربْ زوجه وإن أمرها أو نهاها فلم تطعه، ولكنْ يغضب عليها، وقال عليه السلام «ولن يضرب خياركم» ومع ذلك فهو علاج في بعض الحالات الشاذَّة {فَمَالِ هؤلاء القوم لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله: {وَاعْبُدُوا اللهَ}: العبودية معانقة الأمر ومفارقة الزجر.
{وَلاَ تُشْرِكُوا} الشِّركُ جَلِيُّه اعتقادُ معبودٍ سواه، وخفِيُّه: ملاحظةُ موجود سواه، والتوحيد أن تعرف أنَّ الحادثاتِ كلَّها حاصلةٌ بالله، قائمةٌ به؛ فهو مجريها ومنشيها ومبقيها، وليس لأحد ذوة ولا شظية ولا سينة ولا شمة من الإيجاد والإبداع.
ودقائق الرياء وخفايا المصانعات وكوامن الإعجاب والعمل على رؤية الخلْق، واستحلاء مدحهم والذبول تحت ردّهم وذمِّهم- كلُّ ذلك من الشِّرْكِ الخَفِّي.
قوله: {وَبِالوَالِدَيْنِ} الإحسان إلى الوالدين على وجه التدريج إلى صحبة فإنك أُمِرْتَ أولًا بحقوقهما لأنهما من جِنْسِك ومنها تربيتك، ومنهما تصل إلى استحقاق زيادتك وتتحقق بمعرفتك. وإذا صَلُحْتَ للصحبة والعِشْرة مع ذوي القربى والفقراء والمساكين واليتامى ومن في طبقتهم- رُقِّيتَ عن ذلك إلى استيجاب صحبته- سبحانه.
قوله: {وَالجَارِ ذِى القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ}... الآية من جيرانك (....) فلا تؤذوهما بعصيانك، وراعِ حقهما بما تُولِي عليهما من إحسانك.
فإذا كان جار دارك مستوجبًا للإحسان إليه ومراعاة حقه فجارُ نفسِك- وهو قلبك- أوْلى بألا تضيِّعه ولا تَغْفَل عنه، ولا تُمكِّنَ حلول الخواطر الرديئة به.
وإذا كان جار نفسك هذا حكمه فجار قلبك- وهو روحك- أوْلى أن تحامي على حقِّها، ولا تُمكِّن لما يخالفها من مساكنتها ومجاورتها. وجار روحك- وهو سِرُّك- أوْلى أن ترعى حقّه، فلا تمكنه من الغيبة عن أوطان الشهود على دوام الساعات.
قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [الحديد: 4] الإشارة منه غير ملتبسة على قلوب ذوي التحقيق. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}.
وعندما يقول لنا الحق: {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} أي: إياكم أن تدخلوا في قضية من هذه القضايا؟ على غير طاعة الله في منهجه.. والعبادة هي: طاعة العابد للمعبود، فلا تأخذها على أنها العبادات التي نفعلها فقط من: الصلاة والصوم والزكاة والحج؛ لأن هذه أركان الإسلام، وما دامت هذه هي الأركان والأسس التي بني عليها الإسلام، إذن فالإسلام لا يتكون من الأركان فقط بل الأركان هي الأسس التي بني عليها الإسلام، والأسس التي بني عليها البيت ليست هي كل البيت؛ لذلك فالإسلام بنيان متعدد. فالذين يحاولون أن يأخذوا من المصطلح التصنيفي، أو المصطلح الفني في العلوم ويقولون: إن العبادات هي: الصلاة وما يتعلق بها.. والزكاة والصوم والحج؛ لأنها تسمى في كتب الفقه العبادات فلقد قلنا: إن هذا هو الاسم الاصطلاحي، لكن كل أمر من الله هو عبادة.
ولذلك فبعض الناس يقول: نعبد الله ولا نعمل. نقول لهم: العبادة هي طاعة عابد لأمر معبود، ولا تفهموا العبارة على أساس أنها الشعائر فقط، فالشعائر هي إعلان استدامة الولاء لله. وتعطي شحنة لنستقبل أحداث الحياة، ولكن الشعائر وحدها ليست كل العبادة، فالمعاملات عبادة، والمفهوم الحقيقي للعبادة أنها تشمل عمارة الأرض، فالحق سبحانه وتعالى قال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ} [الجمعة: 9].
كأنه أخرجهم من البيع إلى الصلاة، ولم يخرجهم من فراغ بل أخرجهم من حركة البيع، وجاء بالبيع لأنه العملية التي يأتي ربحها مباشرة؛ لأنك عندما تزرع زرعًا ستنتظر مدة تطول أو تقصر لتخرج الثمار، لكن البيع تأتي ثمرته مباشرة، تبيع فتأخذ الربح في الحال. والبيع- كما نعلم- ينظم كل حركات الحياة، لأن معنى البيع: أنه وسيط بين منتج ومستهلك، فعندما تبيع سلعة، هذه السلعة جاءت من منتجٍ، والمنتج يبحث عن وسيط يبيعها لمستتهلك، وهذا المستهلك تجده منتجًا أيضًا، والمنتج تجده أيضًا مستهلكًا. فالإنتاج والاستهلاك تبادل وحركة الحياة كلها في البيع وفي الشراء، وما دام هناك بيع ففيه شراء. فهذا استمرار لحركة الحياة. والبائع دائمًا يحب أن يبيع، لكن المشتري قد لا يحب أن يشتري؛ لأن المشتري سيدفع مالًا والبائع يكسب مالًا، فيوضح الله: أتركوا هذه العملية التي يأتي ربحها مباشرة، ولبّوا النداء لصلاة الجمعة. لكن ماذا بعد الصلاة؟ يقول الحق: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].
إذن فهذا أمر أيضًا. فإن أطعنا الأمر الأول: {فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فالأمر في {فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ} يستوجب الطاعة كذلك. إذن فكل هذه عبادة، وتكون حركة الحياة كلها عبادة: إن كانت صلاة فهي عبادة، والصوم عبادة، وبعد ذلك.
ألا تحتاج الصلاة لقوام حياة؟ لابد أن تتوافر لك مقومات حياة حتى تصلي. وما هي مقومات حياتك؟ إنها طعام وشراب ومسكن ومَلْبس، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. إذن فجماع حركة الحياة كلها سلسلة عبادة، ولذلك فالحق سبحانه وتعالى يقول: {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَاهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].
إذن فكل عمل يؤدي إلى عمارة الكون واستنباط أسرار الله في الوجود يعتبر عبادة لله؛ لأنك تخرج من كنوز الله التي أودعها في الأرض ما يلفت الناس إلى الحقيقة الكونية التي جاء بها الإيمان.
وإياك أن تظن أن العبادة هي فقط العبادة التصنيفية التي في الفقه قسم العبادات وقسم المعاملات.. لا، فكله عبادة، لكن الحركات الحياتية الأخرى لا تظهر فيها العبادة مباشرة؛ لأنك تعمل لنفعك، أما في الصلاة فأنت تقتطع من وقتك، فسميناها العبادة الصحيحة؛ لأن العمليات الأخرى يعمل مثلها من لم يؤمن بإله، فهو أيضا يخرج للحياة ويزرع ويصنع.
ولماذا سموها العبادات؟ لأن مثلها لا يأتي من غير متدين. إنما الأعمال الأخرى من عمارة الكون والمصلحة الدنيوية فغير المتدين يفعلها ولكن كل أمر لله نطيعه فيه اسمه عبادة. هذا مفهوم العبادة الذي يجب أن يتأكد لنا أن نخلص العمل بالعقول التي خلقها الله لنا بالطاقات المخلوقة لنا، في المادة المخلوقة وهي الأرض وعناصرها لنرقي بالوجود إلى مستوى يسعدنا ويرضي الله عنه.
{وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}. بعدما قال كل هذا الكلام السابق، لفتنا ربنا إلى قضية يجب أن نلحظها دائما في كل تصرفاتنا هي أن نأتمر بأمر الله في منهجه، وألا نشرك به شيئًا؛ لأن الشرك يضر قضية الإنسان في الوجود، فإن كنت في عمل إياك أن تجعل الأسباب في ذهنك أمام المسبب الأعلى.. بل اقصد في كل عمل وجه الله.
ويضرب الحق المثل لراحة الموحد ولتعب المشرك فقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29].
فهذا عبد مملوك لجماعة، والجماعة مختلفة ومتشاكسة، وهو لا يعرف كيف يوفق بين أوامر كل منهم التي تتضارب، فإن أرضي هذا، أغضب ذاك. إذن فهو عبد مبدد الطاقة موزع الجهد، مقسم الالتفاتات، ولكن العبد المملوك لواحد، لا يتلقى أمرًا إلا من سيد واحد ونهيًا من السيد نفسه. والحق يشرع القضية لعباده بصيغة الاستفهام، وهو العليم بكل شيء ليجعل المؤمن به يشاركه في الجواب حتى إذا ما قال الحق: {هل يستويان}؟ هنا يعرضها الإنسان على عقله ويريد أن يجيب، فماذا يقول؟ سيجيب بطبيعة الفطرة وطبيعة منطق الحق قائلًا: لا يا رب لا يستويان.
إذن فأنت أيها العبد المؤمن قد قلتها، ولم يفرضها الله عليك. وقد طرحها الحق سبحانه سؤالًا منه إليك؛ حتى يكون جوابك الذي لن تجد جوابًا سواه. فإذا ما كنت كذلك أيها العبد المؤمن قد ارتحت في الوجود وتوافرت لك طاقتك لأمر واحد ونهي واحد، هنا تصبح سيدًا في الكون، فلا تجد في الكون من يأخذ منك عبوديتك للمكون. وتلك هي راحتنا في تنفيذ قول الله: {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} لأن الإشراك بالله- والعياذ بالله- يرهق صاحبه. ويا ليت المشركين حين يشركون يأخذون عون الله، ولا يأخذون عون الشركاء. لكن الله يتخلى عن العبد المشرك، لأنه سبحانه يقول: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه».
الحق إذن يتخلى عن العبد المشرك. وليت العبد المشرك يأخذ حظه من الله كشريك.. وإنما ينعدم عنه حظ الله؛ لأن الله غني أن يشرك معه أحدا آخر. وهكذا يكون المشرك بلا رصيد إيماني، ويحيا في كد وتعب. ويردف الحق سبحانه وتعالى عبادته بالإحسان إلى الوالدين فيأتي قوله- جل شأنه-: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} والوالدان هما الأب والأم؛ لأنهما السبب المباشر في وجودك أيها المؤمن. وما دامت عبادتك لله هي فرع وجودك، إذن فإيجادك من أب وأم كسببين يجب أن يلفتك إلى السبب الأول؛ إن ذلك يلفتك إلى من أوجد السلسلة إلى أن تصل إلى الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام.